وإذا كان العالم يتحرك اليوم على طريق الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الانسان ، فان العرب في المقابل للأسف لايزالون في ذيل القافلة ليس في مجال حقوق الإنسان فحسب بل وفي كل شأن من شؤون الحياة والحضارة ، بسبب تكريس مفاهيم مغلوطة والتمسك بعادات وأعراف باليه تتعارض جملة وتفصيلا مع ابسط حقوق الإنسان، مما أدى إلى انتشار الصراع المرير على السلطة والثروات التي حبا الله بها الوطن العربي ، حتى غدت النعمة نقمة على شعوبه ، إذ تحولت بفعل أنظمتها الدكتاتورية إلى شبه قطعان من الأغنام تنهشها الذائب وتزرع فيها الخوف والرعب وتدفعها إلى مهاوى الجوع والجهل والتخلف وتحول بينها وبين أي تقدم من شانه أن يرقى بها إلى مصاف الشعوب المتحضرة ، ويحفظ لها كرامتها بين الأمم ، وما الهجرة التي يدفع ثمنها الشباب العربي غرقا في البحار وتيهاً على أرصفة أوربا إلا دليل قاطع و شاهد حي على انتكاسة حقوق الإنسان في الوطن العربي وإهدار كرامته وسحقه ومحقه ومن بطأ به حظه التعس سقط في أوحال السجون والمعتقلات و لم يبقى منه إلا صورة اللحم والدم
صورة قاتمة دون شك التي يمكن أن يرسمها المرء عن الوطن العربي وهو يخطو خطواته الأولى على سلم القرن الحادي والعشرين صورة يندى لها جبين الأحرار وتموت لها قلوب الشرفاء
ومما زاد الطين بله انتشار دكاكين المرتزقة وقد علقت على جبينها لافتات و عناوين ومسميات حقوقيه تزعم زوار وبهتانا أنها تدافع عن حقوق الإنسان بينما هي في الحقيقة تابعة للأنظمة، تسترزق بدماء ودموع المقهورين والثكالا وضحايا القمع وسياط الجلادين
مهمتها الحقيقية هي التستر والتغطية على أنظمة القمع والدكتاتورية
وهكذا يجد المقهور نفسه بين طواحين السجون والمعتقلات ، وبين مرتزقة يسمّون أنفسهم حقوقيين يزايدون على حقوقهم المغتصبة وكرامتهم المهدرة في سوق النخاسة ، حتى غدا المستجير بهم كالمستجير من الرمضاء بالنار
في خضم هذه التخبط والتراجع والتقهقر على مستوى حقوق الإنسان والذي يكتوي بناره الموطن العربي ، من مراكش ، إلى الحديدة، ومن نواكشوط إلى فشت الدبل ، يهمنا كثيرا أن نعرف موقع سلطنة عمان ومكانها من الإعراب في مضمار حقوق الإنسان حتى نتمكن بذلك من تقييم أنفسنا ونقد الذات ، والوقوف على حقيقة النهضة الإنسانية في السلطنة
فمن الملاحظ أن سلطنة عمان ظلت عقودا طويلة بعيدة كل البعد عن بؤرة الاهتمام الحقوقي في العالم ولم تحظى بأي تغطية إعلامية حقوقيه على مدى عقود من الزمن ولم تسلط عليها الأضواء في اى مرحلة من مراحل نهضتها المعاصرة باستثناء فترات متقطعة شابتها بعض الأحداث ، كاعتقال الإخوان المسلمين واكتشاف تنظيم من مخلفات ثورة ظفار، و اكتشاف تنظيم ديني
إمامي في شمال السلطنة ،إضافة إلى اعتقال وسجن الناشطة السياسية والحقوقية طيبة المعولى
http://anhri.net/mena/achr/2005/pr0920.shtml
و وتوقيف الكاتب الشاعر عبدالله الريامي
http://anhri.net/mena/achr/2005/pr0713-1.shtml
و قضية تغير مسميات بعض القبائل كقبيلة ال تويه وال خليفين
http://anhri.net/press/2008/pr0225.shtml
ومطالبة اللجنة المصرية للدفاع عن قضايا الاخطا الطبية للتحقيق في قضية وفاة الطفل العماني
http://anhri.net/egypt/eadvmn/2005/pr0206.shtml
وأخيرا وليس آخر التقرير الأمريكي الذي يتهم عمان بالتقصير في مكافحة الاتجار بالبشر ذلك التقرير الذي ظن الكثيرون انه قد يكون مقدمة لتقارير أخرى تضع السلطنة في دائرة الاهتمام الدولي ، إلا انه لم يكد يجف حبر تقرير الإدارة الأمريكية حتى نسخته بآخر جديد يبرئ السلطنة من تلك التهمه الشنيعة ، مما يوحي بان ا لتقرير ربما كان لغاية في نفس يعقوب
وهكذا لا تكاد تقع السلطنة في دائرة الضوء حتى تعود الأوضاع إلى هدوءها ا لمعتاد ويتراجع اهتمام العالم بها ليطويها النسيان من جديد
وبنظرة خاطفة إلى موقع منظمة العفو الدولية على شبكة الانترنت والتي هي أشهر منظمة حقوقية في العالم سوف تتفاجأ بان سلطنة عمان من الدول القلائل التي لا يرد ذكرها في اى تقرير لمنظمة العفو الدولية إضافة إلى عدم وجود مكتب لمنظمة العفو الدولية داخل السلطنة مع أن سلطنة عمان تقع في محيط يتزايد فيه انتهاك حقوق الإنسان وغالبا ما تلجا بعض أنظمته إلى استخدام
أسلوب العصا لإخضاع شعوبها وحرمانها من ممارسة حقوقها التي أقرتها تلك الأنظمة نفسها ،بل ووقعت عليها في المحافل الدولية مما يؤدى الى تعرضها إلى الشجب والاستنكار من منظمات حقوقيه دوليه
وبكل تأكيد ا ن غياب صحافة حرة حقيقية وعدم وجود مكاتب لمنظمات حقوقيه معتبرة داخل السلطنة قد أتاح الفرصة للمؤسسات الرسمية الحكومة أن تبقى هي المصدر الوحيد لكل التقارير التي قد تصدر من منظمات عالميه عن الشأن العماني
كمنظمة الصحة العالمية ،ومنظمة الشفافية الدولية، وتقرير تقنية المعلومات العالمي ، وبعض المنظمات الاقتصادية العالمية
وبذلك تخرج كل تلك التقارير أو اغلبها منمقة وعلى هوى الحكومة وبصكوك البراءة من كل عيب ، تلك الصكوك ساهمت بفاعليه في إبعاد السلطنة عن بؤر الاهتمام الحقوقي العالمي وأبقتها بعيدا عن دائرة الضوء وفتحت الباب على مصراعيه لمزيد من التشريعات التي تحد من حرية التعبير وتضيّق الخناق على الكتاب خاصة على الشبكة العنكبوتبيه مما أدى إلى إغلاق أشهر منتدى عماني ( السبلة العمانية) وملاحقة بعض كتاب الانترنت والتضييق عليهم ، وبذلك غابت أو تكاد أن تغيب اى وجهة نظر قد تخالف أو تنتقد الأداء الحكومي خاصة في ظل غياب مجلس برلماني حقيقي يمتلك حق المحاسبة والمساءلة ، كمجلس الشورى الذي يفترض أن تناط به هذه المهمة ألمقدسه والذي للأسف لا تتعدى ممارساته في أفضل أحواله تقديم طلبات خدمية لأصحاب المعالي ا لوزراء ودراسة بعض القضايا الاقتصادية التي غالبا ما تتوه في دهاليز البرقراطية فلا ترى النور أبدا
ومما زاد الطين بلة وجود آلة إعلامية تكيل المدح والثناء للمسئولين حتى تكاد تخرج بهم من طور البشرية والإنسان الخطّأ إلى مصاف الملائكة المعصومين
وهكذا يجد المراقب للشأن العماني صعوبة بالغة في تقيم حقوق الإنسان داخل السلطنة فالضبابية وغياب الشفافية لا تتيح لأي احد من خارج دائرة الجغرافيا العمانية أن يعي الصورة الحقيقية لواقع حقوق الإنسان في عمان ، وذلك لا يعني بالضرورة أن الصورة قاتمة وميئوس منها ، ولكنه لا يعني أيضا أن الصورة ناصعة البياض كما يحاول البعض أن يوهم العالم
نحن فقط العمانيون من يستطيع أن يقيّم وضع حقوق الإنسان في عمان بحكم وجودنا على الأرض واحتكاكنا بالواقع المعاش ولكن حتى نتمكن فعلا من تقديم تقييم حقيقي وأمين ، لابد من أن تقر لنا الحكومة وفق تشريعات واضحة بحقنا المشروع في حرية التعبير والفكر والنقد ، وان تتجاوز قوانين عفا عليها الزمن وأصبحت من مخلفات حقب الظلام قبل أن تجد نفسها مضطرة إلى تلبية متطلبات عولمية وحقوقيه لامناص منها
أن وضع حقوق الإنسان في سلطنة عمان من وجهة نظر وطنية محايدة لا تدعي اطلاعها على كل شيء ولكنها بتاكيد ليست غائبة عن كل شىء يمكن ان تقول بضمير مستريح ان عمان أفضل من آخرين بالمقاييس العربية ، وأسوء من آخرين بالمقاييس الغربية ، وبين هذه وتلك لا تزال الخطوة الأولى على طريق الألف ميل هى الخيار الذي يُبقى شمعة الأمل وضاءة
كل عام وحقوق الانسان في تقدم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق