الخميس، 2 سبتمبر 2010

مــواطــن منـحـوس مشبع بالكلسترول

حدثني صديقي الحشاش قال : سقت دابتي ذات يوم إلى جراج بابو وهي تئن من ساقها إلى الترقوة وتكاد أن تلفظ أنفاسها على مدخل الصناعيات ، وبقرب وكالة الشنفري فاح نافخوها وشلت يداها وسقطت لا حراك لها ،
ومن باب إزالة اللبس أود أن أوضح أن الشنفري المقصود ها هنا هو الشنفري الوزير المرموق ذو الجاه والمال و ليس الشنفرى الصعلوك الذي مات من العطش ولكن التاريخ الأعور خلد الثاني ولا ندري أن كان سيخلد الشنفري المعاصر

بجهد الخيرين دفعناها دفعناها حتى أدخلناها الجراج ووضعناها بين يدي بابو وضميره ، وألقيت بمقعدتي بعد طول عناء على كرسي من خشب، قوائمه من عود الخيزران ، وأخذت أمارس هوايتي المقززة في قضم أظافري وأنا ارقب بابو و قد أبان عن ساقيه و شمر عن ساعديه وغمس يديه في كرشها ، منتظرا ما سيئول إليه الحال واحتمال العلاج ومخاطره ومخاسره ، ورغم إني ومنذ اللحظة الأولى التي وطأت فيها حوافر دابتي البرجستونية جراج بابو والحمار يسرح ويمرح في عبّي ،خاصة بعد أن نما إلى مسامعي أن شهادة بابو الميكانيكية مزورة ، واقسم لي صديقي مطفي ناره انه رآه بأم عينيه التي سيأكلهما الدود يرعى بقر صديقان عكولة قبل بضع سنين ، رغم ذلك قررت وبعزم أكيد أن اخزي الشيطان وأسيطر على الحمار في عبي واضرب بشهادة مطفي ناره عرض الحائط ، وان أضع ثقتي ومصير دابتي بين يدي بابو ، والأعمار بيد الله وبابو تعرفه خير من بابو لا تعرفه .

ومن خلف أكمه سيارة لندرفور انجليزي من بقايا جيش الفوج سجاها الدهر في أطراف الجراج ، خرج على رجل عظيم ألجثه قوى البنية عريض المنكعين يداه كرجل بعير، وقدماه كقدمي الفيل ، على جبينه خط الدهر علامات البؤس والشقاء ، يتمطط كحمار وحشي ، يجتر بقايا دال يفوح من خياشيمه ، ويعطر من ثيابه بصل باكستاني فواح ، اقبل يترنح متثاقل الخطى حتى جلس بجانبي محتبيا شالاً كشميرياً ديوانياّ ،لو مررته من خرم ابره لمر أهون من خيط الحرير

شعرت أن الرجل يغالب هموما جاثمة على صدره ، وظني انه يكابد قصة حب عذري على طريقة الأفلام الهندية ، فتلك الجثة الضخمة لا يمكن أن يهدها إلا عشق بعير
بعد طول تجاور بين مقعدينا دون أن يتفوه احدنا ببنت شفه قررت أن اكسر حاجز الصمت وأن أورطه في جريمة قتل الوقت التى امارسها منذ ان نالت الحمير اسقلالها ، وعلى كل حال هى جريمة لا يعاقب عليها القانون العماني على حد علمي

استهللت حديثي ببيتين للشاعر الكندي امرؤ ألقيس قالهما حينما أدركته ألمنيه على سفح جبل عسيب ، حيث يرقد قبر وحيد لفتاة يقال أنها بنت ملك

جارتنا إن المزار قريب * وإني مقيم ما أقام عسيب
أجارتنا إنا غريبان ههنا * وكل غريب للغريب نسيب

أردت بذلك أن استعرض عضلاتي ألثقافيه على ذلك البائس المسكين ، وما أن طرقت الأبيات مسامعه حتى أمال على برأسه و رفع حاجبه ونظر إلى شزراً ، فارتعدت فرائصي و دب الخوف في شراييني كدبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء وخشيت أن يلطشني بكف من رجل الجمل المعلقة في منكعه ،وأحسست بنار تهلب قفاي ، ولم يهدأ روعي حتى ضحك وقهقه وبانت نواجذه ، وقال مازحا لا أرى عسيباً هنا إلا بابو ، حينها تنفست الصعداء وقد أمنت على قفاي من كف البعير

أخذنا نتبادل أطراف الحديث وتنقلنا بين القضايا والأحداث من الشرق إلى الغرب ومن شارون إلى عباس ومن بوش إلى بكره تشوف ، والحقيقة أن الرجل ابهرني بسعة اطلاعه حتى خجلتي من نفسي ،خاصة حينما حدثني عن الأزمة الاقتصادية وأسباب ارتفاع الأسعار ، وجنح بنا إلى الرز وأنواعه وأشكاله وأحجامه ، (على ألبطيخه بالثلاث )أن المحاضرة الرّزّية التي شنف بها آذاني ابلغ وأعمق من محاضرة وزير التجارة مقبول بن سلطان التي أتحفنا بها إبان أزمة ارتفاع الأسعار وخاصة اسعارالرز الهندي.

بعد أن لفينا الدنيا سبع لفات وانتهى بنا الحديث إلى جراج بابو
وآنس منى رشداً ، قص على قصة سيارته المشؤمه وحظه التعس

قال وهو يشير بالخنصر والبنصر والسبابة والوسطى إلى سيارة في أطراف الجراج ، هل ترى تلك السيارة هناك ؟ قلت نعم ، قال هى سيارتي ولها قصة عجيبة !! قلت وما هي ؟ تنحنح وترنح وفحفح وشهق وزفر، ووضع يديه على فخذيه واقبل على بكل وجهه ..وقال :
قبل أربع سنوات ظهر اسمي مع المواطني الصاحلين الذين تمت الموافقة على منحهم ارضي سكنية ، فذهبت وأكملت الإجراءات ودخلت القرعة فرماني حظي التعس بأرض تقع في أقصى المدينة ،طرفها في سفح جبل وذيلها في وادي سحيق ، فقررت بيعها ولو بصاع من تبر ، غير أنني توفقت في رجل بضاعته في العقارات مزجاه ، وقفاه اعرض من قفاي ، فبعتها له بثمن لا بأس به وأضفت عليه بضعة دراهم ورثتها عن أبي واشتريت تلك السيارة القابعة هناك
كنت آمل أن أغدو فيها وأروح مع العيال وأمهم وأطوف بها الوطن العربي من المحيط إلى الخليج ، انشد: بلادُ العُربِ أوطاني منَ الشّـامِ لبغدانِ :ومن نجدٍ إلى يَمَـنٍ إلى مِصـرَ فتطوانِ ، حتى اعبرّ عن وحدة ألامه العربية ورفضي لسايكس ـ بيكو، وتقسيم الوطن العربي وحدوده المصطنعه ، ما أن أوقفت السيارة على باب الدار وعلمت زوجتي ببيع الأرض حتى جن جنونها واستنفرت شياطينها ، فولولت وولولت ويلي ويلي يا ويللي ، واشتد الخلاف بيننا حتى خرجت عن طوري ، وتولى خزنب زمام المبادرة فطلقتها

بعد اقل من شهر انتهز ابني فرصة قيلولتي فتسلل إلى مفاتيح السيارة واخذ يدور بها في الشوارع مع أبناء الحارة وعندما عاد إلى البيت وجدني في انتظاره وبيدي عصى فرعون وحبلا من سعف النخيل والشرر يتطاير من عيني ، فأدرك مصيره المشئوم في يومه الأسود ، فكعكع كعكع كعيكع في وسط الشارع وفر هاربا ولم تره عيني منذو ذلك الحين

في ساعة من سويعات الأصيل كانت ابنتي الصغرى ذات الربيعين تلهو خلف السيارة ،وشاءت الأقدار أن اخرج في تلك اللحظة على عجل ، ودون أن التفت لوجودها خلف السيارة، دهستها و حينما أدركت ما حدث كانت قد لفظت أنفاسها
بعد شهر من وفاة ابنتي، طلب جارى سعفان أبو شطة أن أعيره السيارة لأخذ زوجته إلى المستشفى وقد أصابها الطلق، وفي الطريق ماتت الوالدة والمولود
وعندما ذهبنا لدفنهما رجعت بالسيارة إلى الخلف فصدمت سيارة الشرطة وهشمت مقدمتها وتم سجني حولين كاملين بتهمة التأمر على الحكومة

حينما خرجت من السجن كان ابني الكبير شحتة ينتظرني على باب السجن قابعا خلف المقود كعود الصندل ، وفي لحظة انتابتني فيه موجة من الفرح السرور بنشوة الحرية أذنت له أن يقود السيارة وكنت لا آذن لأحد أن يقودها إلا عند الضرورة القصوى ، وقبل أن احكم إغلاق الباب تحركت السيارة بسرعة البرق فانزلقت وكسرت ساقي
في المساء أولم شحته بعجل اجلح وتيس املح بمناسبة خروجي من السجن ونجاتي من الحادث، فعلقت قطعة لحم في حلقوم جارنا سعفان أبو شطة ولم تفلح كل محاولات إسعافه، وظل يتلبط حتى لفظ أنفاسه ولحق بزوجته وابنه
حينما شفيت رجلي والتأم جرحي واستعدت عافيتي قررت أن أقوم والعيال بجولة في المدينة حتى نرى ما تغير فيها وتبدل ، فعهدي بها مدينة ذات أطوار كلما اعتلاها فحل عدل فيها وبدل واتى بما لم تأتى به الأوائل. وبين دوار العجائب ومنعطف الدوخة اعترضتني شاحنة كأنها سقطت على من السماء فجأة ، وقبل أن ادعس على المكابح كانت سيارتي قد اندحشت مقدمتها بين الإطار الأمامي والرفرف ، ولم أفق إلا وأنا في العناية المركزة ، علمت حينها أن شحته استشهد، ودعبور انكسرت يده ، ونفيسة تعاني ارتجاج في المخ.

بعد أن خرجنا من المستشفى مكثنا في المنزل بضعة شهور حتى شفينا، بعد كل تلك المصائب قررت اخذ السيارة مجددا إلى الجراج وأنا لها كاره ، إلا أن حلاوة الأمل تجعلني في كل مرة تحدث فيها مصيبة أقول في نفسي أنها ستكون الاخيره .
فما رأيك يا اخي لو تبادلني بسيارتك وعلى تصليح السيارتين فقد يكون حظك مع هذه السيارة أفضل مني ، ولم يكد الرجل يكمل عرضه حتى سمعنا صراخ ابن بابو فهرعنا إليه لنجده وقد بترت مروحة السيارة نصف يده

قلت له أيها الرجل الفيل انى لك ناصح أمين تخلص من هذه السيارة الشؤم ، ارميها في وادي لا أنيس به قبل أن تقتلك وتقتل ما بقى من بنيك وجيرانك ، افعل معروفا و خلص نفسك و خلص خلق الله من شرها وأنا سوف أساعدك
خذها إلى أعلى قمة جبل وارميها إلى أسفل الوادي حيث ينمحي ذكرها ويندرس رسمها وينتهي شرها ،وافق الرجل على مضض، ومن على قمة جبل يناطح عنان السماء دفعنها إلى أسفل الوادي فوقعت على ظهر بقرة وماتت في الحال
أقام صاحب ألبقره دعوى مستعجلة على صاحبنا، قررت المحكمة إيفاد محقق لمعاينة السيارة والبقرة ومكان الحادث ، وبعد عناء طويل وصلوا إلى المكان وبالكاد أرخى المحقق مقعدته ليستريح من مشقة الطريق حتى خرج عليه ثعبان اسود مجلجل لدغة لدغة لم يمهله أن يزفر بقايا شهقة تحشرجت في صدره

أوفدت المحكمة محققا آخر وعاد بالخبر اليقين وتحدد تاريخ الجلسة وفي اليوم الموعود مات القاضي فتقرر تأجيل القضية إلي اجل غير معلوم.

قال الحشاش راودتني حينها هواجس ووساوس ومخاوف وخشيت أن كون على لائحة ضحايا تلك السيارة المشؤمه والرجل النحس ، فقررت أن أنفد بجلدي بأي ثمن وعلى باب المحكمة حسمت أمري وخلعت نعلي ووضعتهما في جيبي ووضعت ثوبي في فمي ثم صحت بأعلى صوتي.. من هناااااااااااك .. تفأجا الرجل الفيل وحينما التفت عني واستوي قفاه رزعته كفاً على قفاه (لم يأكله حمار في محشره)
وركبت الهوى صاروخ وقبل أن يستوعب ما حدث كنت قد اجتزت الشارع الثالث إلى غير رجعه. .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق