الاثنين، 1 يونيو 2009

سلطنة عمان .. الصراع بين الانفتاح والانغلاق


ظلت سلطنة عمان عقودا طويلة منغلقة على نفسها ، بعيدة عن أضواء المنظمات الحقوقية ،
لا يعلم احد ما يدور في كواليسها ، معتمدة سياسة العمل في صمت بعيدا عن الضجيج المفتعل كما يفعل البعض

فظن الكثيرون أن عمان بتلك السياسة الانعزالية الصامتة تعمل أكثر مما تتكلم ، وتلك صفة الناجحين بزعمهم حتى دعا بعض المنافقين في مقالاتهم إلى الهدوء، زاعمين أن العمانيين لا يحبون الضجيج ، وأن العمانيين بسياسة الصمت تلك ، استطاعوا أن يقيموا نهضة حضارية خلاقه ، وان يشيدوا بنية عمرانية قل نظيرها ، وان يعلموا أبنائهم ويحققوا لهم العيش الكريم، وان تنهي عمان كل خلافاتها الحد وديه مع جيرانها ، وان تقيم علاقات طيبة مع جميع دول العالم
حتى اسرائل العدوانية بطبعها امتدت إليها أيادي العمانيين بالسلام
ودون أن يعلم شعبها بتلك العلاقة المشؤمه باعتبار أن لا حاجة لمعرفة الشعب
أو اخذ رأيه في قضايا خارجية تتعلق بمصلحة البلد التي تقدرها الحكومة وفي صمت!!

وربما يكون ذلك صحيحا إلى حد ما ، الا أن تلك السياسة التي يغلفها الرسميون بغلاف الخصوصية العمانية ، وان كانت قد جنبت عمان انزلا قات خطيرة و صراعات عبثية لا طائل منها ولا خير فيها ، فحفظت نفسها و مواطنيها بعيدا عن بؤر الصراع والإرهاب ، وكانت في مجملها سياسة ايجابيه ، الا أن صناع تلك السياسة والقائمين عليها اغفلوا جوانب سلبيه خطيرة وانعكاسات غير محمودة العواقب من خلال تغييب إرادة الشعب ، وتجاهل التطورات المحيط به، والتي بكل تأكيد أثرت فيه بفضل السموات المفتوحة وتلاقح الحضارات في الفضاء الفسيح حيث تنعدم الحدود وتتهدم السدود

وغاب للأسف عن المعنيين القراءة المنطقية والواقعيه للمتغيرات من حولنا في خضم هوجة المديح والثناء والإعجاب والتصفيق المدفوع الثمن

فتجنب الأضواء والانغلاق على الذات والتكيف مع سياسة الانطواء قد انعكست في كثير من جوانبها سلبا على قضايا داخلية وخارجية وخاصة ما يتعلق منها بالشأن الداخلي ومسيرة التطور والتواصل مع العالم والمجتمعات ، الأمر الذي خلق فجوة كبيرة بين العالم الخارجي بكل إرهاصاته الاجتماعية والسياسية والثقافية و بين الداخل المنغلق على نفسه

وكنتيجة حتمية لهذا التخلف والانزواء والقناعة بالموجود كأفضل الممكن وفق معطيات الخصوصية العمانية وجد المجتمع نفسه في حراكا دراماتيكيا متنوع ، يغلب عليه نبرة تذمر متصاعدة ومتوازية مع تفاقم المشكلات الداخلية كالبطالة والمديونية وعجز المؤسسة ألتعليمه عن توفير مقاعد جامعيه لمخرجات الثانوية العامه ، وانحسار الخيارات في جامعة حكوميه واحدة، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه أمام الهوامير لينتهزوا الفرصة السانحة لمص دماء المساكين واستغلالهم أبشع استغلال ، من خلال إنشاء جامعات خاصة تفرض رسوما باهظة فوق طاقة الاحتمال ، و تستحلب في نفس الوقت الدعم الحكومي بشعارات زائفة ومزاعم كاذبة بدعم المسيرة التعليمية ، ومشاركة الحكومة في بناء الإنسان بينما هي في الحقيقة تتنافس على نهب جيوب المواطنين

وزاد الطين بله غياب وسائل إعلاميه محليه حرة ، وفرض قوانين قاسيه ومتحجرة على حرية التعبير الأمر الذي أبان عن تباين كبير بين سياسة الحكومة وبرجماتيتها وبين تطلعات الشعب وآماله ورغباته الجامحة في التعبير عن نفسه بحرية ، مما دفعه إلى التمرد على قوانين كممت أفواهه وقيدت يديه وصادرت حقه في التعبير عن تطلعاته وانتهكت حقوقه الاساسيه والطبيعية التي كفلتها له القوانين الدولية والدستور العماني المسطر على الورق، بمواده الفضفاضة التي أصبح بعضها محل نزاع بين فكر متنور يسعى للرقى به إلى مصاف القوانين الدولية و الحضارية التي تكفل كرامة الإنسان وتحفظ أدميته وبين وفكر منغلق يريد أن يسخرها لحماية مصالحة الآنية الخاصة

وبين هذين الفكريين تتصاعد المواجهة ويستعر لهيبها الأمر الذي ينذر بتطورات قد تدفع بعمان
ليس إلى دائرة الضوء التي حاولت تجنبها حينا من الدهر فحسب وإنما إلى بؤرة الصراع الحقوقي
الذي تتسع رقعته يوما بعد آخر في ظل عولمة تجتاح كل شيء وتنتهك كل خصوصية

وهكذا يتضح لكل مراقب انه ومنذ بداية القرن الحادي والعشرين أصبح جليا أن صرح الخصوصية قد انهار وان العالم أصبح قرية لا مكان فيها للانطوائيين والانعزاليين والمتحجرين ، وان فضاء السموات المفتوحة وثورة الاتصالات لا تعترف بالخصوصيات ولا تقيم وزنا لشعاراتها الممجوجة

وهكذا يبدو واضحا ان انهيار الصرح الشامخ الذي شيدته الحكومة ونسجت خيوطه ألعنكبوتيه وأحاطته بالخصوصية العمانية قدرا لا مفر منه ولا محيص عنه ، وان بعبع الانفتاح وما قد يحمله معه من أجندات لا تنسجم مع مورثات الشعب العماني وتاريخه وثقافته لم يعد يتوجس منه احد

وإذا كانت الحكومة تعتقد أن تلك السياسة التي اعتمدتها حينا من الدهر والتي قوامها العمل في الصمت والإنتاج بعيدا عن الأضواء كما تدعي كانت ناجحة يوما ما ، فذلك لان هدفها كان خدمة الإنسان العماني ورقيه والسهر على مصالحه ، الا أن الأيام أثبتت كذلك أن تلك السياسة قد استغلها البعض لينهب في صمت ، وينتهك حقوق الإنسان في صمت، ويكدس الثروات في صمت ، ويسرق لقمة العيش من أفواه الفقراء والمساكين في صمت ، لتتضح أخيرا معالم سياسة الصمت تلك ، وخفاياها السلبية الخطيرة من استشراء الفساد والترهل في مؤسسات الدولة ، وطغيان الواسطة والمحسوبية، واعتبار البعض المنصب فرصة للتكسب والإثراء الغير مشروع ، في ظل الأزمات الاقتصادية الطاحنة وارتفاع مديونية الدولة وتراجع المستوى المعيشي وقلة الرواتب
ليجد الإنسان العماني نفسه فجأة ونتيجة لتراكم سياسات خاطئة، يدفع ثمنا باهظا من حاضرة ومستقبله

فهل تعي الحكومة كل هذه التطورات الخطيرة وتتدارك نفسها وتقوّم سياساتها بما يحقق العدل والمساواة والحرية للجميع أم تختار طريق التجاهل والجمود وانتظار المجهول وما يحمل من مخاطر ومفاجآت .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق