الجمعة، 19 يونيو 2009

ام نطاح وعكوله وفرحتهم بالحكومه

كانت المرة الأولى التي يقرر فيها صديقي عكوله أن يطرق باب الحكومة لطلب مساعده ماليه ولولا أن بابو و كومار قطعوا عنه الماء والكهرباء وتركوا أبنائه الصغار يتخبطون في ظلمة الليل البهيم ، وآخر قطرات الماء قرعت أذنيه وهى تتساقط من في السقاء

لما تكبد عناء طرق باب معاليه لقناعته التامة أن تلك المكاتب لم تخلق له ولا لأمثاله من البسطاء والمساكين حتى لو كان عناوينها براقة وشعاراتها تخزي العين ، إلا أن للضرورة أحكام ، والأولاد مبخلة ومجبنه

كتب عكوله رسالة مطولة مشحونة بالعاطفة والاستجداء وطلب الرحمة وشرح فيها ظروفه القاهرة وحاجته ألملحه إلى ريالات معدودات لسداد فاتورة الماء والكهرباء ، واقسم بالقبة والسلسلة انه لا يبتغى من ورآها لا خنزيره ولا سحلية، ولا فلّه ولا استجمام على شواطئ أوربا

وفي طريقه إلى مكتب معاليه اخذ عكوله يلعن الساعة التي خصخصت فيها الحكومة الماء والكهربا ووضعت رقبة المواطنين والفقراء بأيدي الهوامير والحيتان ، وسلطت عليهم كومار وبابو وشندرا ومن لا يرقب فيهم إلا ولا ذمة

وفي فرع 999 المخصص للشحاتين قدم عكوله رسالته و المعلومات المطلوبة وفق قانون حمو رابي الذي لا يطبق إلا على الفقراء والمساكين، حتى تثبت الحكومة للجميع أن العدالة الاجتماعية بالقسطاس المستقيم وان المواطنين كأسنان المشط لا فرق بينهم ولا تفاضل

وبقليل من حسن الظن في الحكومة الرشيدة ، وببعض التفاؤل في كرم معاليه ظن عكوله أن المساعدة لن تتأخر إلا سويعات معدودات ، فالطلب لا يتجاوز بضعة ريالات لا تساوى حتى رشفة من شراب التفاح المنقع من أيام الفينيقيين والذي يسكب انهارا في الأفراح الليالي الملاح

طال انتظار عكوله وقبل أن ينتهي الدوام الرسمي انتبه لوجوده احد الموظفين، فسأله عن سبب انتظاره ؟ اخبره أن العيال في ضيق شديد لا ماء ولا كهرباء وكومار قد سحب الفيوزات ، وبابو أغلق حنفية الماء بالقفل العجمي ، والأمل معقود اليوم على معاليه ليمدهم ببضع ريالات ترفع عنهم ما يكابدون من عناء الظلمة والحر والعطش وتمدهم بالحياة أيام أخر

طبطب الموظف الطيب على صلعه عكوله وقفاه وكرشة المنزلق على حجره واخبره أن طلب المساعدة لا يبد أن يمر بلجان عدة حتى يتأكد معاليه أنهم في عسر وضيق شديدين ، ويكابدون من العناء والألم ما لا طاقة لهم به ، وان الطلب لا تشوبه شائبة الكذب والتزوير، وانه لم يتلقى فلسا واحدا من مال الحكومة منذ أن ولدته أمه ، وذلك حرصا من الحكومة الرشيدة على المال العام وخوفا من أن تذهب نقودها في غير وجهها ، أو تقع لا قدر الله في يد من لا يستحقها ، حتى لا يطغى احد على احد ، ولا ينهب احد حق احد ، فالأمانة مطلوبة ، والحقوق محفوظة ، والناقد بصير وكل من عليها فان

تصبب العرق من وجه عكوله وقفاه وطفق يضرب كفا على كف ويتساءل ؟؟ متى إذا تأتى ساعة الفرج ؟؟ قال له الموظف عد ليال عشر، وفوقهن عشر ومن باب الاحتياط أضف عشرا إلى عشر ، ثم لا تكلف نفسك عناء القدوم إلينا ، ولا مكابدة درجات السلم فاني أخشى على اقتابك أن تندلق وشرايينك أن تتمزق ، من طول العناء والشدة ،، دق لي رنة وربك يسهل

قام عكوله ومزق الوصل ، واقسم بالفجر وليال عشر، انه لن يعود إلى مكتب معاليه حتى يدخل الجمل في سم الخياط . وخرج مغاضبا متمتما بكلمات لم يتبينها احد ، وهن اقرب إلى الشتيمة للبتاع

بعد ثمان سنين عجاف ، رن الهاتف في دار فتوش ، جار عكوله ، فعكولة لا يملك هاتفا حتى تتصل به الحكومة وقت ما تشاء ........

قال المتصل لـ فتوش انه من طرف معاليه ، وان عليه أن يبلّغ جاره عكوله بضرورة الحضور إلى مكتب معاليه غدا صباحا ، وفي لمح البصر أغلق فتوش ألسماعه ، وركب الهوى صاروخ إلى دار عكوله واخذ يطرق الباب كريح عاصف والطرقة الثالثة كانت في جمجمة نطاح !

كان عكوله خارج المنزل يخوض صراع ألبقاء وفق القاعدة الدارونية البقاء للأصلح ، في صراع مرير مع القطط و الكلاب يناطح على جمع القواطي (العلب الفارغة ) من الشوارع والازقه ومن أوكار المخلفات ليبيعها في المساء لكومار وشندرا ، ببيسات معدودات ، يسد بهن رمق بنيه ، فذلك خير له واشرف ، من أن بتسول أو أن يصبح رقما آخر في خانة الباحثين عن عمل ، قال فتوش لنطاح أن الحكومة تطلب والده عكوله غدا صباحا وعلى عجل ، وتمتم بكلمات يدعو يهن ربه ويسأله النجاة من غضب الحكومه

وفي المساء عاد عكوله إلى داره ليجد خرقة سودا معلقة على الباب كعلامة على أن الحزن والأسى قد خيم على دار ه ، وأم نطاح تبكى وتول ول ، ونطاح وجعرّ وتوحه وبوحه يكفكفون دموعهم ، و حمار عكوله أبو بردعه يضرب عن الطعام ويرفس الأرض بقوة معلنا سخطه واستنكاره

هال عكوله منظر الدار الحزين و قد انقلبت إلى مأتم يملؤها البكاء والنواح ، وينعق فيها البوم والغربان ، فلم يتمالك نفسه وسقط مغشيا عليه ، فصاحت أم نطاح ويح نفسي عليك يا عكوله ! من لنا بعدك يا عكوله !! فقام نطاح وأسرع من فوره وهو يجهش بالبكاء واخرج من سلة جدته طناشه فحل بصل إيراني من الأهواز ، ومررها على منخري أبيه ، فشهق عكوله شهقة كأن زفير جهنم في أذنيه ، وأفاق واستوي على مقعدته وصاح صيحة ارتجت لها داره وأطراف من دار جاره فتوش ، ثم حوقل ثلاثا وبكى بكاء الثكلى حتى ابتلت لحيته وكادت أن تجف مآقيه

ثم واخذ يترحم على تيسه جحشان ويعدد مآثره ، ظانا أن الموت قد اختطفه في ساعة العسرة ، فطمأنته أم نطاح ان جحشان بخير، فزاد نحيبه وعويله وقال هي الجاموسة (توحه) ما فيش غيرها }عليه العوض ومنه العوض { كنت حاسس أنها لن تتحمل فراق الثور عنتر ، فهتفت أم نطاح مليء فيها توحه كمان بخير يا عكوله ما فيهاش حاجه

قال عكوله أمال فيه إيه بس ؟؟؟!!! ، قالت أم نطاح بكلمات تتحشرج بين شدقيها والأسى في عينيها!! الحكومة يا خويه الحكومة !!! قال عكوله وهو يكفكف دموعه وكأنه عادل إمام في مسرحية مدرسة المشاغبين ، هي مالها الحكومة يا اختى ؟؟ هي ماتت ولا إيـــــــه..؟؟.. قالت أم نطاح لا يا خويه الحكومة ما بتمتتش ، الفقراء هم بس اللى بيموتوا !! الحكومة عايزاك !! الحكومة عايزاك الصبح من بدري يا عكوله !! هو انته عملت إيه بس ؟؟؟ لبخت إيه ، الله يخرب بيتك

يا ما نصحتك من شرب الهباب اللى بتطفحه كل ليلة مع صاحبك فتنوش!!! اللى بغيب عقلك و يخليك تلطش في الحكومة وتلبخ في البتاع وصديق البتاع وأبو بتاع ، وكله كوم والبتاع كوم ،، الله يخرب بيتك يا فتوش ضيعت عكوله وضعيتنا معاه ، اه اه اه اه ياربي اعمل ايه بس !!!!

أيقن عكوله حينها انه في مأزق كبير ، و ألا طاقة له بمجابهة غضب الحكومة ، فكر طويلا ثم قرر عقد اجتماع طارئ لام نطاح ونطاح وجعرّ وتوحه وبوحه وصديقه فتوش ، وقرروا وضع خطة جهنمية للهرب خارج البلاد ، وطلب اللجوء السياسي في جمهورية كوز موزو الديمقراطية ، ومع صياح ديك فتوش كان عكوله يضع اللمسات الاخيره لخطة الهروب

وفجأة نطت فكرة في رأس الولد الأهبل جعرّ ، وقال لأبيه عكوله ما رأيك قبل أن ننفذ خطة الهروب

أن تبعث صديقك فتوش إلى مكتب معاليه حتى يشمشم خبر الاستدعاء ويقيس نبض الحكومة ، ونكون على بينه من الأمر ،، طابت نفس عكوله للفكرة وخرج فتوش ملثما واخذ يجوس خلال الديار ، ويحوم حول حمى مكتب معاليه ، و يشمشم عن خبر الاستدعاء ، فعلم أن الموضوع من ساسه لمزرابه متعلقا برسالة طلب المساعدة التي تقدم به عكوله منذ ثمان حجج وان الحكومة قد

استكملت تحقيقها والنظر في طلب عكوله ووجدته مكتمل الشروط والأركان ، وتتحقق فيه كل أوصاف البؤس والشقاء ، فقررت صرف عشرين ريال حلال زلالا من مال الحكومة ، مساعدة لعكوله كحق مستحق و مشروع من الثروة الوطنية ، وحين علم عكوله بالخبر كاد أن يموت من شدة الفرح وزغردت أم نطاح بكل ما أتى الله حبالها الصوتية من قوة ، ورقص توحه وبوحه وجعرّ وعمت الأفراح والليالي الملاح دار عكوله وصديقه فتوش

وردد الجميع عاشت الحكومة عاشت الحكومة عاش احمد عرابي وسعد زغلول واحمد جاد الله عاش عاش عاش

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق