الأربعاء، 27 مايو 2009

ام حسين وابو حسين والتيس ابو قرنين بقلم: سعيد جداد


حدثني صديقي ابو حسين قال....
أصرت أم حسين أن نشتري سيارة كورلا كالتي اشتراها أخوها وأخذت تذكر مواصفاتها وتعدد محاسنها كأنها تصف عذراء جنة عدن ، فلم أجد بدا من البحث عن كورلا سعرها معقول وشكلها مقبول وتحقق ولو الحد الأدنى من مواصفات
أم حسين

وأخيرا ظفرت بها مع صديق باكستاني حصر ممتلكاته وعرضها للبيع استعدادا للعودة إلى وطنه بعد رحلة عمل في السلطنة ناهزت الربع قرن ، وكانت الكورلا من جملة أملاكه المعروضة للبيع نظرت إليها وتفكرت فيها وفحصت الجزوز والإشارات ، ونسيت المكينة من شدة لهفي عليها وقد اخذ منى لونها الذي يسر الناظرين كل مأخذ ، بعت العقد الذي ورثته عن جدتي طناشه واشتريت بثمنه السيارة

عدت إلى البيت فلمحت أم حسين على شرفة المنزل تنتظر عودتي بفارغ الصبر ، لوحت لها بالمصر من على مد البصر وأخذت أزمر مثل حسينوه في ملحمة عنترة بن شداد وهو يشوح بالوانيت الزرقاء ويلوح بعمامته لعبلة

حينما وصلت الباب خرجت أم حسين وهى تزغرد وبيدها عود الطيب واللبان الظفاري الأصيل ومن خلفها العيال حسين وحنش يجرون تيسا املح ذو قرنين ، وأخذت تبخّر السيارة كما يبخّر الفراعنة ألآلهه ،والعيال يضربون الدفوف ويتراقصون ، ذبحنا (التيس ) ورشت أم حسين بعض دمه على إطارات السيارة لإرضاء الأسياد ودفع العين والحسد وقررنا أن نقوم بجولة في ربوع عين جرزيز احتفالا بالكورلا ، اعددنا من الطعام والشراب ما لذ وطاب ، وانطلقنا على أنغام بلبل الخليج عبدالله بالخير وكانت أم حسين بين الفينة والأخرى تخرج بعض رأسها من النافذة وتطلق شعرها ليداعبه الريح وهى تبتسم في غمرة الفرح والسرور وأنا انظر إليها شزرا وابتسم كأني أنور وجدي مع ليلي مراد في فلم ليلى بنت الفقراء

وصلنا عين جرزيز وفرشنا مائدة الطعام وأم حسين بين لقمة وأخرى تنظر إلى الكورلا وأشعة الشمس تتساقط على أهدابها مرت الساعات بسرعة الدقائق وأذنت الشمس بالغروب فحزمنا أمتعتنا استعدادا للعودة إلى المنزل وفجأة أقبلت سيارة تسابق الريح وتضيء إشارات الخطر وتزمر كمزمار سيارات الشرطة أيقنت حينها انى هالك لا محالة فالوادي من خلفي والشرطة من أمامي ولا مجال للهرب ولا سبيل إلى النجاة وتذكرت حينها مقولة طارق بن زياد إلى اين المفر البحر وراءكم والعدو امامكم فجذبت أم حسين من جلبابها وقد عقدت الدهشة والخوف لسانها وقلت لها بصوت أجش حتى ترعوي يا أم حسين لله الأمر من قبل ومن بعد لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه هذه ساعة المواجهه ، اليوم يوم والخبر يدوم ، وصيتك يا أم حسين العيال..العيال... كوني لهم أما رءوما وأبا رحوما واخبريهم أن أباهم عاش شريفا ومات شريفا وسيبعث إن شاء الله مع الشرفاء ، قولي لهم يا أم حسين أن أباهم لم يسرق الوطن حينما كانت سرقة الوطن تجارة ، ولم يخن الأمانة حينما كانت الخيانة شطارة ولم يبع الكرامة حينما عزة الكرامة

قولي لهم يا أم حسين أن أباهم مات بحسرته على شباب عاطلين عن العمل في وطن يزخر بالخيرات والثروات ، ومات مظلوما في وطن يُدعى فيه العدالة ، ومات مهانا في وطن يُتغنى فيه بالكرامة ، ومات مكبوتا مقهورا في وطن يدعي فيه البعض الحرية

اخبريهم يا أم حسين عن ثلاث تنتزع ولا توهب
الحرية .. والكرامة ... والحقوق ....فعضوا عليها بالنواجذ

يا أم حسين... وقبل أن أكمل وصيتي شهقت أم حسين شهقة كأنّ زفير جهنم في أذنيها حسبك يا أبا حسين حسبك!! ما بك يا رجل ؟ ماذا أصابك! من هولاء القوم القادمون ! إلينا ! وأخذت تسأل وتشهق كأنها بنت الاشتر بين يدي معاوية

قلت لها هدئ من روعك يا أم حسين فعهدي بك رابطة الجأش ثابتة الجنان لا تهزك الريح ولا تؤثر فيك الأعاصير
فولولت وولولت ويلي ويلي يا ويللي والتفتت إلى ابننا حنش وصاحت به ويحك يا حنش ذد عن أبيك يوم كريهة يوم الطعان وملتقى الأقران
وقبل أن يحمى الوطيس وصلت السيارة فإذا بها سيارة الكورلا اخو أم حسين ومعه ابنيه شطحه ونفّاخ
حمدت الله حمدا كثيرا وسقطتُ على الأرض من شدة الفرح بينما وقفت أم حسين متصلبة كأمنا النخلة وقد اشتد بها الغضب وجرتني جرا من قفاي بعيدا عن العيال وقالت يا أبا حسين مالك خفت وارتعبت وتلوت وصيتك كأنها وصية مودع حينما ظننا أن السيارة القادمة سيارة الشرطة ؟؟ يا أبا حسين قل لي ولا تكتمنى الخبر فأنا لباس لك وستر عليك ، فأفصح عن الأمر ..ماذا فعلت ؟ ومما تخشى ؟ هل عارضت الحكومة في شيء ؟ هل تذمرت من الأوضاع السياسية؟ أو الاقتصادية ؟ هل ثرثرت بكلمات هنا أو هناك عن الجماعة اللي فوق أو كحّيت أو تنحنحت؟ هل أنت عدو للحكومة يا أبا حسين؟؟

قلت لا لا لا يا أم حسين لقد شطح بك الخيال بعيد جدا

كل ما في الأمر اننى اشتريت كيلو خيار، وكيلو بندورة ، وكيلو خس ، من بائع الخضرة كومار ووعدته أن أسدد له ثمنها بعد أسبوع ومضى الأسبوع ولم استطيع أن أسدد له الدين فالعشرين ريال زيادة مكي رضى الله عنه ذهبت مع فاتورة الكهرباء ، والعشرين ريال الزيادة الثانية ذهبت في جونية الرز

ومنذ أسبوع وأنا اختفي عن الأنظار وكلما طرق كومار الباب بحثا عنى يصده حنش متعللا باني غير موجود وحينما رأيت السيارة مسرعة نحونا وتزمر كـ سيارات الشرطة ظننت أن كومار فاض به الكيل ومل من مواعيد عرقوب و بلغ عني الشرطة وان رجال المهام الخاصة عازمون على القبض علي

والحمد لله أن السيارة طلعت سيارة أخيك وليست سيارة الشرطة... ضحكت أم حسين وقهقهت حتى كادت تقع على قفاها

وقالت........

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق