السبت، 30 مايو 2009

الحمار والديمقراطية وحق اللجوء السياسي


كلما اشتط الغضب باحدهم لا يجد ما ينعت به المغضوب عليه إلا بالحمار ، فيحمر وجه المنعوت المغضوب عليه ويخضر وترتسم على وجنتيه كل ألوان قوس قزح لشدة الغضب على من نعته بالحمرنه ، ويزداد الأمر سوأ إذا كان عاجزا عن دفع وصف الحمرنه عن نفسه أو الرد بمثلها أو أسوء منها ، وربما ارتفع ضغطه وضاق نفسه وأصيب بالجلطة أو ألذبحه أو السكتة

فالحمار في أدبياتنا المتخلفة هو ذلك الحيوان الذي جمع الله فيه كل عيوب المخلوقات من الحمق الغبي والبلادة والبلاهة ، مع أن الحمار بريء من هذه الأوصاف كلها براءة الذئب من دم ابن يعقوب ، والأمر برمته لا يعدو أن يكون خطاءا فضيعا توارثته الأجيال عبر التاريخ دون أن يلتفت احد إلى تصحيحه وإعادة الاعتبار للحمار المظلوم

أمر ومؤسف فضيع ويندى له جبين الشرفاء

غير أن هذه الصورة تغيرت كثيرا في الغرب بعد الثورة ألثقافيه والصناعية التي أحدثتها الثورة الفرنسية ، فأصبحت الحرية قيمة مقدسه لكل المخلوقات والحقوق مصانة وأدرك العالم مدى ا لظلم الواقع على الحمير فأنصفها وبرأها مما لحق بها من المهانة وأعاد إليها الاعتبار من جديد

حدثني صديقي أبو شحته قال حينما سافرت إلى بلد الانجليز قبل بضع سنين ولا تزال ثقافتي في مضمار حقوق الحمير متخلفة و سطحية وساذجة ، صادفت في الريف الانجليزي أثناء رحلة استجمام مع صديقي الانجليزي حمارا بدا لي للوهلة الأولى انه حمار عربي النسب والهيئة والسحنة ، غير أن عليه آثار النعمة واضحة جليه على عكس الحمير عندنا !! فسألت صديقي الانجليزي هل هذا الحمار مملوك لاحد ؟ فضحك وطبطب على كتفي وفي عينيه خبث واحتقار !!وقال انتم العرب لكم حاجات ؟؟؟ وسرعان ما كشر عن أنيابه وأبدل ابتسامته المرحة عبوسا قمطريرا ، وقال احذر من أن تسال هذا السؤال مرة أخرى ولو سمعك غيري لاتهمك بانتهاك حقوق الحمير وأدخلك في متاهات قضائية وحقوقيه ووجدت في وجهك كل المنظمات الحقوقية الدولية وقد تكالبت عليك كما تتكالب الأكلة على قصعتها ، وربما و جدت أمريكا بقضها وقضيضها وقد حشرتك في زمرة الإرهابيين ففعصتك أو قطعتك أو زحلقتك إلى متاهات جونتناموا وحشرتك في جحر من جحورها ألضيقه

فدبت الرعشة في أطرافي وسألته مستغربا متعجبا مذهولا ؟؟!! كل هذا بسبب حمار !! قال نعم ، قلت هل هو مقدس عندكم إلى هذه الدرجة ؟؟ قال نعم !!قدسية لا تقل عن قدسية شندرا و كومار عندكم

ثم قال الحمار الذي رأيته يسرح ويمرح بحرية كان مظلوما ومضطهدا وحقوقه منتهكة في بلاد ا لعرب ،كان مكبوتا محروما مقهورا يعاني من عقدة الاضطهاد وسوء المعاملة والامتهان والاحتقار
حتى امتن الله عليه برجل يقدس الحرية ويعرف للحمير قدرها ولا يحمل ثقافة الاحتقار والدونية التي تنظرون بها إلى الحمير مع أنها كانت تحمل أثقالكم و تحفظ ذماركم وتصبر على سياطكم وبذاءتكم ورفسكم ودفشكم لها ، ولا تشق عصا الطاعة ولا تفارق ألجماعه ولا تشكو ولا تتذمر من انتهاككم لحقوقها التي لا يصبر علي انتهاكها أتيس تيس في بلاد الغرب

فعرض على الحمار المسكين المظلوم الذي أعيته الحيلة في الانفكاك منكم أن يهربه عبر الحدود البرية إلى دولة مجاورة ومنها يتم تهريبه إلى الغرب، فوافق الحمار على فكرة الشهم الغربي ، وغير ملامح وجهه وقوائمه وحلق شاربه ولحيته ، وبات الليالي يقطع الفيافي والقفار هو وصديقه الانجليزي حتى وصلا إلى الدولة المقصودة ومنها ركبا سفينة شحن متجهه إلى بريطانيا وحينما وصل تم منحه فورا حق اللجوء السياسي ومنحت له كل الحقوق التي حرم منها سنين طويلة

الصراحة شعرت بخجل شديد من الموروث الثقافي المتخلف الذي لازلنا نتوارثه عن الحمير ، والنظرة الدونية الظالمة التي ننظر بها إلى هذا المخلوق الصابر المحتسب حتى أنني شعرت بالغيرة الشديدة منه وقررت أن أغير نظرتي المتخلفة إلى الحمير 360 درجة ولم أجد مناصا من أن أتوجه إلى الحمار بنفس يملؤها الخشوع والرهبه ، وبكل تواضع ووقار خلعت قبعتي وقدمت اعتذاري الشديد لأبى صابر على سوء ظني فيه نتيجة ثقافتي المتخلفة عن الحمير

ضحك صديقي الانجليزي وقد بان الفرح والسرور على محياه وقال مبتسما انتم العرب لكم حاجات !! قلت له كيف ؟ قال هل تعلم أن هذا الحمار الطيب أدخلنا في أزمة دبلوماسية مع دولته الاصليه ، ولولا تشبثنا بمبادئنا لكان الحمار المسكين ألان يتلوى تحت سياط التعذيب في زنازين دولته القذرة
قلت له كيف والدهشه قد اجحظت عيني؟ قال حينما وصل ا لحمار إلى بريطانيا ومنحناه حق اللجوء السياسي ووفرنا له العيش الكريم وشعر انه استعاد كرماته وحقوقه المسلوبة بدا ينشط سياسيا ويشارك في ندوات ومظاهرات متعدده، فطلبنا منه أن يبقى متخفيا لفترة حتى تتغير ملامحه ويصعب على دولته الاصليه التعرف عليه ونبهنا عليه بشدة إلا يشارك في أي مظاهر سياسيه أو مظاهرات أو ندوات فترة من الزمن حفاظا على سلامته الشخصية من الاغتيال أو الاختطاف وتجنبا لأي أزمة سياسيه أو اقتصاديه مع بلده الأصلي ، والحقيقة أن الحمار التزم بما طلبنا منه خاصة أننا أكدنا له أن حكومته قد وضعت جائزة ضخمه لمن يدلي بأي معلومات تدل على مكانه فقد كانت دولته تخشى أن تتأثر بقية الحمير الصامتة بشعارات الحرية والديمقراطية التي كان ينادى بها الحمار الهارب وبالفعل سارت الأمور على أفضل ما يكون لولا أن غلطة بسيطة كشفت أللعبة كلها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق