الجمعة، 29 مايو 2009

مجلس الشورى وصندوق الاقتراع ...الاحلام والاوهام واقلام النفاق


تابعت ايام انتخابات الشورى بعض ما بثه الإعلام العماني وبعض الإعلام العربي عن انتخابات مجلس الشورى وهو يخش بفضل الله وتوفيقه دورته السادسة وقد تجاوز عمره المديد ربع قرن ، مجلس واكبت ولادته القيصرية بشائر كبرى بمعجزة ديمقراطية متلحفة بالخصوصية العمانية الا انه سرعان ما تضاءلت الآمال وتبخرت الأحلام و تهاوى صرحه الشامخ ولسان حاله يقول متى يبلغ البنيان يوما تمامه اذا كنت تبنى وغيرك يهدم
ومع هذا كلما كاد ينقطع بنا حبل الرجاء ونغسل عقولنا وأيدينا من هذا المجلس المعاق والمصاب بداء العجز والجمود يخرج علينا فارسا من فرسان حكومتنا الرشيدة معمما بالترمي الكشميري ومتشحا بجنبيته العمانية الأصيلة العتيقة من صنع أيام الزمن الجميل ليطل علينا من خلال شاشة تلفزيون عمان الملون او من على صهوة جريدة عمان والابتسامة تعلو محياه يوكد لنا وبما لا يدع مجالا للشك ان مجلس الشورى يسير على طريق التقدم والازدهار وان الديمقراطية سبيل لن نحيد عنه وان دولة المؤسسات والعدالة آتية لا ريب فيها وان الدورات القادمة سوف تشهد المزيد من الصلاحيات الممنوحة لمجلس الشورى برلمان عمان الفتى فاصبروا وصابروا وأملوا ما يسركم
لنجدد الإيمان ونتسلح بالصبر حتى فاق صبرنا صبر الحمار الذي ينتظر الربيع
وحينما يتشكل المجلس وتدور عجلة دورته الجديدة نفاجأ بالدواليب التي يضعها المخططون المهرة في عجلته بإحكام وإتقان منقطع النظير عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه
فمن دواليب الخمس دقائق الوقت المتاح للعضو ليختزل فيه مطالب وهموم شعبه كلها إلى دواليب منع التعقيب على رد الوزير باعتبار الوزير المبجل لا راد لقوله ولا معقب لحكمه وهكذا تمضي سنين المجلس وتنهتى الدورة وتأتى بعدها دورة جديدة ولا يزال السؤال نفسه يتردد على شفاه المواطن المسكين الذي دغدغت مشاعره الأحلام بمجلس حقيقي يحقق ولو الحد الأدنى من مطالبة الحياتية و يظل السؤال قائما ماذا فعل المجلس ؟ ماذا قدم ؟وليتكرر نفس الجواب (لاشيء) ويترحل السؤال من جديد الى دورة جديدة ويتجدد الأمل ، ربما أن اعظم انجاز حققه هذا المجلس الموقر هو تخفيف وطأة البطالة من خلال تعينه ثلة من المواطنين يجتمعون تحت قبته بين الفينة و الأخرى ربما لولا المجلس لقذفت بهم الأقدار إلى قارعة الطريق أو حشرتهم في زمرة الباحثين عن عمل .

ليلة السبت أقامت قناة الجزيرة حلقة خاصة عن انتخاب الشورى العمانية والغريب أن الجزيرة على غير عادتها كان ضيوفها كلهم يمثلون طيفا واحدا من موظفي الحكومة ولم تتح المجال لرأى آخر خلافا لقاعدتها المشهورة الرأي والرأي الأخر فهذه المرة غاب الراى الآخر ربما لان القضية لا تخص جهة تناصب العداء لإمارة قطر العظمى فجاءت الحلقة كلها على غرار برنامج افتح ياسمسم
ومع ذلك فقد عجز موظفي الحكومة الذين لم يعكر صفوهم صوتا مخالف عجزوا عن تبرير تراجع المجلس وعزوف الناخبين وغياب الصلاحيات وجمود المجلس وضعفه وقلة حيلته، ربما لا يعود سبب عجزهم إلى قلة فقههم وقصور فكرهم وإنما الى خيارهم التصدي والدفاع عن قضية خاسره في أصلها ومضمونها حتى أن الدكتور ألرواس حينما كرر عليه المذيع أكثر من مرة سؤلا عن صلاحيات المجلس أجاب بعد تمنع مخجل إجابة لو كان ابن خلدون حيا لأستفتح بها مقدمته فقد قال الدكتور رضي الله عنه سوف نتمسك بتلك أللقبة ولن نتخلى عنها ولم افهم العلاقة بين السؤال والجواب وظني أن الظفيري اعجز منى في فهم عبارة الدكتور إلا أن الجواب كان كافيا ليتخلى الظفيري عن الإصرار على سؤاله
حاول ألرواس وزملائه الثلاثة إقناع المشاهدين والضيوف ومقدم البرامج أن مجلس الشورى يتطور ويتحسن أداءه وانه تجربة فريدة من نوعها في المنطقة وان صلاحيات المجلس تزداد مع الزمن دون توضيح نوع التطور والاصلاح الذي يضاف إلى المجلس مع كل دورة ، وكلما حاول الظفيري أن يجرهم إلى حقيقة المجلس وعجزه ويأس العمانيين منه تترسوا خلف الخصوصية العمانية
وتشبثوا بها كملاذ أخير للتهرب وتميع اى سؤال قد يضعهم في حيص بيص
تذكرت وانأ أتابع الحلقة على الجزيرة قصة المخابرات العربية حينما انتشرت في الأرض بحثا عن غزال هارب وحينما عجزت عن العثور عليه ألقت القبض على ضب وأخذت تعذبه حتى اعترف انه غزال وعندما احضروه قيل لهم ما هذا قالوا غزال فقيل لهم هذا ضب وليس غزال فأصروا انه غزال مؤكدين انه اعترف انه غزال ، ضيوف الجزيرة المبجلين أصروا طوال الحلقة على أن المجلس يتطور وان الصلاحيات تزداد رغم شهادات من يقبع داخل القبة ومن يقع خارجها من مواطنين ومراقبين على أن المجلس قد تجاوزه الزمن وان صلاحياته شبه معدومة ورغم ذلك أصر الضيوف على أرائهم في محاولات يائسة لإقناع العالم أن المجلس يتطور وتزداد صلاحياته محاولات لا تقل في مضمونها عن محاولة إقناع المخابرات العربية للعالم بان الضب غزال
بل أن المذيع العماني الجنرال الشعيلي يصر في تعليقاته من على شاشة تلفزيون عمان الملون على تلقين العالم دروسا في الديمقراطية الحقيقية من خلال تجربة مجلس الشورى العماني الفريدة

الصحافة العمانية الغارقة في النفاق حتى شحمة أذنيها كان عشمنا فيها أن تتحدث بمهنية وموضوعيه عن حقيقة المجلس ودوره الضعيف و المفقود كعشم إبليس في الجنة ولذلك لم نعلق علي أقلامها المعروفة اى آمال ، ولكنني لا افضح سرا إن قلت انني كنت اعلق بعض الأمل على بعض الأقلام الشابة حديثة العهد بصحافة النفاق أن تكتب ولو سطرا واحدا تدسه بين السطور تعبر من خلاله عن حقيقة مشاعر الناس ويأسهم وقنوطهم من هذا المجلس الذي أصبحت خطواته المتراجعة إلى الوراء أكثر بكثير من خطواته إلى تتعثر إلى الإمام
ليس من باب الأمانة المهنية ودور الصحفي في توعية المواطنين وتسليط الضوء على مكامن الخلل وتقديم نقدا بناء بهدف الرقي بالعمل الديمقراطي ولا حتى من باب صون كرامة وعفاف صاحبة الجلالة السلطة الرابعة
وإنما من باب الخجل من التصفيق المبتذل لكل ما تفعله الحكومة و الذي أصبح مهزلة تعافها النفوس وسذاجة ونكته تسير بها الركبان لكن للأسف خرجت علينا صباح هذا اليوم تلك الأقلام كما تخرج علينا صباح كل يوم بنكتة ما كانت لتخطر ولا حتى على اكبر المتشائمين من هذه الصحافة الملكية أكثر من الملك إذ أكد هؤلاء الصبية المراهقين في مقالاتهم السطحية التي استمرأت استهبال القراء أن أعظم انجاز تحقق في مسيرة الديمقراطية العمانية وهى تدخل دورتها السادسة هو وصول المواطن العماني إلى صندوق الاقتراع وانه أصبح بفضل الحكومة الرشيدة مواطنا مؤهلا وبكل اقتدار أن يقف موقف الشجعان أمام صندوق الاقتراع ويضع فيه تلك الورقة (التي ربما لا يدري تحمل اسم من من المرشحين ) غير انه اثبت جدارته ووصل إلى صندوق الاقتراع حتى أن بعضهم أطلق مصطلحا جديدا في عالم الديمقراطية (ثقافة الصندوق) مؤكدا أن وصول العماني إلى صندوق الاقتراع يعتبر بحد ذاته احد منجزات النهضة المباركة وكأن كل الآمال والتطلعات والأحلام قد اختزلت في وقفة مبجلة أمام صندوق الاقتراع ، أما ماذا بعد صندوق الاقتراع
فتلك قصة أخرى .ربما لاتستحق من صحافة التصفيق والتطبيل قطرة مداد حتى ولو كانت نفاقا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق