الجمعة، 29 مايو 2009

أم بوحة والعيال وغلاء الاسعار



مع إني على علم بارتفاع أسعار السلع الغذائية إلا أنى لم أكن أدرك أن الأسعار قد بلغ سعيرها حتى النخاع وارتفع الضجيج والعويل والأنين من شظاها إلى عرف الديك ، حتى فوجئت بأم بوحه وقد تأبطت حقيبتها اليدوية وتبرقعت وتلحفت بعباءتها ووقفت على رأسي كأنها ملك الموت نزل ليأخذ السر الالهى من جسدي الضعيف المنهك من الأدول والبندول والانديرال وسلالته من بني اتنلول التي استوطنت جسدي كأنه مخزن مستشفى السلطان قابوس ، حيث يصر الدكتور كومار على أن يتفضل على بمؤنه شهر كلما آفل نجم واقبل آخر، بعد أن فرض على الحصار وضرب حولي الأسوار وأصر واستكبر وعاند ودحش الأمل بين أوراقه وفعصه في أدراجه ورفض منحي فرصة التحويل إلى ابن عمه شندرا في المستشفى السلطاني لإجراء قسطرة للقلب، خدمة منه للوطن الذي أسبغ عليه وافر النعم ومكنه من رقاب العباد تحت ظلال سيوف وزير الصحة المشرعة في وجه الضعفاء والمساكين من أمثالنا، و الذين لا تتجاوز حظوظهم في حضوته الدقيق المنثور على رؤوس الأشواك في يوم عاصف

فتحت عيني وأنا ممدد على أريكتي المهترئة التي لا تستوي أضلاعها حتى أسندها على عود خشبي أخذته من صديقي النجار بابو بنصف ريال عماني ، قبل أن يرتفع سعره ويلحق ببقية مواد البناء من الاسمنت والحديد التي انخرطت هي الأخرى في السباق المرثوني لرفع الأسعار

فإذا بأم بوحه والشرر يتطاير من عينيها وتكاد أن تنفجر من شدة الغضب لكثرة مماطلتي وتسويفي ووعودي التي فاقت مواعيد عرقوب، وأنا اخرج بها من وعد المساء إلى وعد الصباح، أمنى النفس أن يخرج علينا مقبول ود سلطان وزير التجارة من مؤتمراته واجتماعاته ببشرى قرار وقف لهيب الأسعار

فالميزانية التي كنت قد رصدتها لمتطلبات رمضان آملا أن تضعني وأسرتي فوق مرتبة ذوى الدخل المحدود ودون الهوامير مسافة رفسة حمار، وقد أثخنتها باللحم والشحم وشراب اللوز، لم تعد تكفي حتى لإطعام معزة أبو كبير المربوطة بفناء الدار ،

تلعثمت وتعتعت وأخذت اقلب بصري في السماء لعلى اظفر بعذر اخرج به من ورطتي المنيلة بستين نيله ،ولم أفق من تفكّري و تبصّري وغفلتي إلا على صوت التهديد القاصف كالرعد من أم بوحه وهى تقسم (بالقبة والسلسة) وهما علمان مقدسان في ظفار وبحياة الولي بن عربيه والسيد البدوي إذا لم تقم حالا إلى السوق وتشتري كل الحاجات المطلوبة لترحلن إلى بيت أبيها وتترك الجمل بما حمل، أدركت حينها أن العذر قد انقطع وبلغ السيل الزوبى ، فنهضت من مرقدي ونصبت عمامتي وشحذت محفظتي وتمتمت بدعوات صادقة، اللهم إني لا أسالك رد القضاء لكن أسالك اللطف فيه

وقبل أن اخرج من منزلي واركب دابتي وايمم وجهي شطر السوق دقت ساعة برج الصحوة معلنة تمام الساعة التاسعة مساء وقد حان موعد نشرة الأخبار في تلفزيون عمان الملون فرجوت أم بوحه وتوسلت إليها أن تمنحني دقائق معدودات استمع فيها لنشرة الأخبار فقد كانت تلك هي الفرص الأخيرة التي يمكن أن يزف لنا فيها مقبول ود سلطان خبر تخفيض الأسعار بعد مسلسل الاجتماعات التي عقدها مع التجار وذوى الاختصاص والتي يفوق عددها مسلسل باب الحارة ،

ولم يطل انتظارنا كثيرا إذ اطل علينا احد فرسان تلفزيون عمان الملون ليعلن بعد سلسله لقاءات مع مسؤولى التجارة والصناعة واستطلاع بعض أراء المواطنين أن وزارة التجارة الموقرة قد اتخذت قرارات حاسمة لتخفيض الأسعار في شهر رمضان المبارك وذلك لتخفيف الأعباء على المواطنين وخاصة ذوى الدخل المحدود وضحايا وزارة القوى العاملة من سائقين وبائعين وفراشين وخياطين وعتالين وذباحين وشفاطين وهى اغلب المهن المعمنه والتي لا يتجاوز ريعها ال140 ريال في أحسن الأحوال وبالطبع قبل أن تشفط منها التأمينات الاجتماعية قدرا مفروضا و تلتهم الكهرباء والماء منها جزء مقسوما وتنهش منها عمان تل نصيب الأسد .

ولعت حينها أم بوحه وزغردت ورقصت وأسرع ابننا الصغير شحته واحضر (الصفرية) والصفرية لمن لا يعلم هى الإناء الصيني الذي تطبخ فيه أم بوحه كبسة الرز بالسمك، وحوّله شحته إلى طبل وأم بوحه ترقص وتغني مقبول ود سلطان خفض الأسعار

التفت يمنة ويسرة فلم أرى بوحه يشاركنا الفرحة لعب الفأر في عبّي و استنكرت غيابه عن حفلة الرقص التي أقامتها أم بوحه وشحته بمناسبة تخفيض الأسعار وظننت وبعض الظن إثم أن بوحه عدو للوطن وللحكومة وخالي من كسترول الوطنية الثقيل، وقبل أن تصل التهمه وسوء الظن إلى درجة الخيانة العظمى وصل بوحه متقلدا سيفا ومتشحا بجنبيه عمانية عتيقة وهو يلهث وتكاد أنفاسه أن تنقطع، أسرعت إليه وقد جحظت عيناي وانتفخت أوداجي وسألته بصوت أجش والشرر يتطاير من عيني أين كنت ؟؟!! ولما تلهث وأنفاسك مقطوعة ؟؟!! فقال حينما سمعت بتخفيض الأسعار ورأيت أم بوحه ترقص وتزغرد وأخي شحته يطبل أسرعت إلى بيت صديقي عوكل الذي يبعد داره عن دارنا مسيرة يومين بسرعة البغال لاستعير سيفه وخنجره حتى ارقص بها في هذه المناسبة السعيدة ولشدة حماسي ووطنيتي قطعت المسافة في لحظات

تهلل وجه أم بوحه وهى ترى الوطنية تشع من عينيه وتعطر من ثيابه ، وقبلته على جبينه وزغردت وصاحت الله اكبر الله اكبر ظهر الحق وانتصرت الوطنية ، اكتملت أركان الحفلة شحته يدق الطبل وبوحه يرقص بالسيف والخنجر وأم بوحه تصفق وتزغرد مقبول ود سلطان خفض الأسعار هييييييييييييييييييييييييييييييييه

خرجنا من دارنا على إيقاع الطبل والرقص ، وقد أعدت أم بوحه قائمة طويلة بما لذ وطاب من الطعام والشراب، وفي السيارة وقعت معركة حامية الوطيس بين شحته وبوحه إذ أصر بوحه على شراء كيك بالشكولاته، وأصر شحته على شراء شوكلاته بالقشطه ولم يحسم المعركة الا وعد أم بوحه بشراء الصنفين معا وقد علت الابتسامة العريضة محياها

وعلى بوابة سوبر ماركت أبو كشة قررنا أن ننقسم إلى ثلاث فرق

شحته وبوحه يتجهان إلى قسم الحلويات والعصائر، وأم بوحه تتجه إلى قسم المعلبات والبهارات وأكياس الرز والطحين والزيوت ، وانأ أتجه إلى قسم اللحوم والدجاج والأسماك، واللقاء بعد ساعة عند المحاسب ،،

دار كل منا دورته ولم تكد تنقضي الساعة حتى أقبلت أم بوحه بحمل بعير وبوحه وشحته مثلها وانأ دون ذلك بقليل نظر إلينا المحاسب وابتسم وقال ما شاء الله كل هذا استعداد لرمضان؟؟ فرددنا عليه بصوت واحد أشبه ما ي كون بسنفونية بتهوفن .. نعم،، بفضل مقبول ود سلطان اللي خفض الأسعار، تساءل المحاسب !!عن اى تخفيض تتحدثون؟؟ قلنا عن القرارات الحاسمة التي اتخذها وزير التجارة والصناعة مقبول بن سلطان
بتخفيض الاسعار .

.قهقه المحاسب ورفس برجليه وضرب بيده على الطاولة وكان المحاسب من الشام فقال بلهجته الشامية يطمعكم الحجة والناس راجعه ، الأسعار ارتفعت من صباح هذا اليوم إلى المساء ثلاث مرات قلنا بصوت واحد وقرارات الوزير !! قال اى قرارات هما قراران فقط الأول قرار استعطاف واسترحام التجار لتخفيض الأسعار وهذا لا محل له من الإعراب ، وأما القرار الثاني فلا يعدو أن يكون إلغاء قانون منع تخفيض الأسعار دون إبلاغ الوزارة

لأنه بيني وبينكم كان القانون القديم يمنعنا من تخفيض الأسعار دون أذن من الوزارة حفاظا على مصالح التجار بينما رفع الأسعار لا يحتاج إلى إذن لكن القانون ألان ساوى بين الرفع والخفض كله بدون إذن
يعني التجار سوف يضعونكم في مرجيحة الأسعار وما حدش سمى عليكم

حينها أخرجت كل ما في جعبتي من نقود ووضعتها بين يدي المحاسب وطلبت منه أن يعدها فلسا فلسا وان يخرج لنا من الأحمال التي جمعناها ما يساوى قيمة نقودنا ، فجمع وطرح وضرب على الجهاز الحاسب الالى

وبعد حسبة طويلة عريضة اخرج لنا دجاجة برجل واحدة وقال نقودكم لا تكفي حتى لشراء هذه الدجاجة ولكن عملنا لكم خصم خاص، سألته وأين رجل الدجاجة قال فقدتها في المعركة؟! طلبت منه أن يعطينا الدجاجة المنتصرة ، رفض وكسر بخاطر أم بوحه وقال نقودكم لا تكفي حتى لشراء الدجاجة المنتصرة كفاية عليكم الدجاجة أم رجل

عدنا إلى المنزل وقد علت الكآبة الدار والعيال ، وأخذت أم بوحه تولول ويلي ويلي يا ويللي ، وقررنا مواصلة الاستعداد لصيام الليل والنهار ورفع ، أيدينا بالدعاء إلى العزيز الجبار،، يا عالم ما يكون قبل أن يكون كيف
با يكون نجنا مما يكون قبل أن يكون

ومنك لله يا وزارة التجارة والصناعة وسامحك الله يا حكومه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق