الجمعة، 29 مايو 2009

أزمة التعليم العالي بين وعد السلطان وعجز الحكومه


حينما تولى السلطان قابوس مقاليد الأمور في عمان خلفا لأبيه المرحوم السلطان سعيد بن تيمور قطع على نفسه وعدا أمام أبناء شعبه بتوفير العلم لكل أبناء عمان حتى لو اضطر إلى تعليمهم تحت ظل الشجر

كان ذلك الوعد من منطلق إيمان السلطان قابوس باهمية العلم ودوره الحيوي في تقدم الشعوب وبناء الأمم ورقى الحضارات وقد أدرك السلطان قابوس منذ الوهلة الأولى أن التحدي الأكبر الذي يواجهه إلى جانب توفير الأمن والاستقرار والعيش الكريم هو ضرورة توفير العلم لكل أبناء شعبه
خاصة بعد أن خرج السلطان إلى العلم لتلقى العلم بينما كان الشعب يغرق في أوحال الجهل والتخلف والأمية المطبقة بسبب السياسات التي فرضت عليه حينها ، وبالمقارنة بين ما رآه السلطان في العالم الخارجي وبين ما يكابده شعبه من الجهل والتخلف أدرك السلطان حقيقة المأساة التي تكتنف شعبه وأسبابها المختلفة و منها قلة الموارد والعزلة التي ضربت بأطنابها على العمانيين منذ أوائل القرن العشرين حتى انتهاء عهد السلطان سعيد بن تيمور رحمه الله

فكان وعد السلطان كشمعة في ليل الجهل المدقع الذي يضرب بأطنابه سلطنة عمان من أقصاها إلى أقصاها شمعة يزداد وهجها يوما بعد آخر وصوارح العلم تتعالى في السماء حتى لا تكاد تنزل في زاوية من ارض السلطنة الا و تقع عيناك على علم يرفرف على سارية مدرسة هنا او هناك حتى في القرى وشغف الجبال تعزف كل صباح لحن الخلود بلسان عربي مبين ، يا ربنا أحفظ لنا جلالة السلطان ،اللسنة تلهج كل صباح بهذا الدعاء اعترافا وعرفانا بالوعد الذي أنجزه السلطان قابوس ، وعدا قطعه وهو يضع اللبنة الأولى لبناء ألامه العمانية واعادت مجدها الغابر

إلا انه وكما يقال تأتى الرياح بما لا تشتهي السفن فلم يكد ينقضي العقد الثاني من عمر النهضة المباركة وتتزايد مخرجات الثانوية ألعامه وحاجتها إلى التعليم العالي حتى بدأت خيبة الأمل ترخى بسد ولها على الكثير من الشباب العماني الذين وجدوا أنفسهم فجأة بعد سهر الليالي وعناء السنين وإنهاء مرحلة الثانوية ألعامه على قارعة الطريق وقد انقطعت بهم السبل دون تحقيق الحلم بإكمال الدراسة الجامعية ، فجامعة السلطان قابوس وهى ألجامعه الحكومية الوحيدة في عمان لا تستطيع أن تستوعب كل مخرجات الثانوية ألعامه ولا حتى ربعها والجامعات الخاصة دونها خرط القتاد فرسومها فوق طاقة حتى ذوى الدخل المتوسط ناهيك عن ذوى الدخل المحدود الذين يشكلون الغالبية العظمى من أبناء الشعب وليت الكارثة تقف عند هذا الحد وخيبة الأمل
تنقشع هنا إذ أن هولاء الشباب وجدو أنفسهم ينخرطون كرها في قافلة العاطلين أو الباحثين عن عمل كما يحلو للحكومة وصفهم ، ومن أسعده الحظ منهم التحق بوظيفة ريعها لا يسمن ولا يغني من جوع وبقى الآخرون التعساء بين نار الفاقة ومرارة الحرمان

ونحن هنا لا نتحدث عن بضعة آلاف وإنما عن عشرات الألف من مخرجات الثانوية ألعامه يتضاعفون كل عام و تقذف بهم السنين إلى قارعة الطريق فوفق آخر الإحصائيات يبلغ عدد مخرجات الثانوية العامه لهذا العام حوالى71 ألفا أربعون ألف منهم ينظمون كل سنة إلى صفوف العاطلين او الباحثين عن عمل والعاجزين عن مواصلة الدراسة الجامعية / إنها بالفعل كارثة وطنية تحمل من نذر الشؤم وقتامة المستقبل ما لا يعلمه إلا الله

ومع أن الحكومة تبذل جهدا كبيرا لإيجاد حلول ناجعة لهذه الكارثة التي تتفاقم كل سنة إلا أن الهوامير المتنفذين قد وجدوا لأنفسهم في خضم هذه الكارثة منجم الذهب أو الدجاجة التي تبيض ذهبا ، وعملا بالمثل القائل ((مصائب قوم عند قوم فوائد)) سرعان ما انتشرت الجامعات الخاصة وتكاثرت وأخذت تنهش بكل ما آتاها الله من حيلة في جيوب هولاء المساكين و تفرض عليهم رسوما عاليه جدا تصل إلى درجة الاستغلال البشع لحاجات هولاء الشباب الى سلاح إلعلم لمواجهة متطلبات الحياة مما يضطر بعض الآباء إلى الاقتراض من البنوك ألاف الريالات والارتهان لها عشرات السنين في سبيل توفير مقعد دراسي لابناهم وأما الاغلبيه العظمى منهم فليس لهم إلا قارعة الطريق والتسكع في الازقه والتكيف مع خيبة الأمل ومرارة الحرمان

إن وعد السلطان قابوس بتوفير العلم لأبناء وطنه كان دون شك وعدا صادقا وبكل تأكيد انه تحقق إلى حد كبير إلا أن الأمر بحاجة إلى المزيد من العناية والرعاية فجامعة واحدة لا يمكن أن تكفي ا و تستوعب مخرجات الثانوية ألعامه كما أن سوق العمل لا طاقة له بعشرات الآلف من الشباب قليلي العلم والخبرة خاصة في مجال التقنية كما أن عدم الأخذ على أيدي الهوامير مصاصي الدماء وترك لهم الحبل على الغارب سوف يحول رسالة العلم وقدسيتها إلى سلعة تخضع للمزايدة والاستغلال

إن من أقدس واجبات الدولة توفير العلم لأبنائها خاصة التعليم العالي فان كان الأمر فوق طاقتها ولابد من تدخل القطاع الخاص فليكن تحت رقابة الدولة ورعايتها حتى لا ينقلب العلم وطالب العالم إلى سلعة يتنافس على استغلالها الهوامير فتفقد الدولة دورها وواجبها وتنتهك قدسية العلم و ويسحق طالب العلم بين أنياب الهوامير المستغلين.

فهل من مدكر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق